مكافئة رب العالمين للسيدة سارة وسيدنا إبراهيم
- بَعْد تَضحِية السَّيِّدة سَارَّة ومساهمتهَا فِي تَحقِيق رَغبَة سيِّدنَا إِبْراهيم فِي إِنجَاب ولد يَكُون لَه ذَريَّة صَالِحة وَيحمِل معه هُم الدِّين ( وَذلِك عِنْدمَا وهبتْه جاريتهَا ( السَّيِّدة هَاجَر ) حَتَّى يتزوَّجهَا لِيرْزق بِطفْل مِنهَا وَهُو سَيدُنا إِسْماعيل عليْه السَّلَام ) .
- كافٍئ اَللَّه - عزَّ وجلَّ - السَّيِّدة سَارَّة وعوضهَا فالتَّعْويض والْمكافأة لَم تَكُن فقط على صَبْر السَّيِّدة سَارَّة وإيثارهَا إِنَّما كَانَت أيْضًا مُكَافأَة كَبِيرَة لِسيِّدِنَا إِبْراهيم بَعْد صَبرِه على الاخْتبار اَلعظِيم وَذلِك فِي أَمْر اَللَّه بِذَبح اِبْنِه إِسْماعيل مِثْل مَا ذكَّرنَا فِي قِصَّة أبًا الأنْبياء فَمِن ترك شيْئًا لِلَّه عِوَضه اَللَّه خيْرًا مِنْه وَأبُو الأنْبياء إِبْراهيم تُرْك أَغلَى مَا يَملِك تَنفِيذا لِأَمر اَللَّه ، ترك وَلدُه اَلوحِيد إِسْماعيل اَلذِي كان على اِسْتعْداد تامٍّ لِلتَّضْحية بِه إِرضَاء لِلَّه وَذلِك دُون أن يَعرِف الحكْمة مِن هذَا الأمْر فَعُوضَه اَللَّه بدل الخيْر خيِّرين ، خَيْر فِي أنَّ اَللَّه حِفْظ لَه اِبْنِه إِسْماعيل وَفْداه بِكَبش عظيم ، وخيْر فِي أنَّ اَللَّه زَادَه مِن فَضلِه وَرزقِه اِبْن جديد رَغْم كِبر سِنِّه ورغْم عُقْم زَوجَتِه سَارَّة .
بشرى الملائكة لسيدنا إبراهيم والسيدة سارة
- فالابْن اَلجدِيد كان سَيدُنا إِسحَاق - عليْه السَّلَام - ذَلِك الابْن اَلذِي لَم يَكُن حَتَّى خبر الحمْل بِه عاديًّا حَيْث تَوَّج اَللَّه - سُبْحانه وَتَعالَى - هذَا الحدث بِأنَّ اَلذِي أخْبرَهم بِهَذا الخبر كان مَلائِكة مُرْسلِين بِالْبشْرى منْزلَيْنِ فَكَان موْقفًا فريدًا وَنادِرا حَيْث لَم يُكِن المبشِّرين بِالْخَبر أطبَّاء أو حُكَماء مِثْل أيِّ حَمْل يَتِم معْرفَته عن طريق اَلطبِيب فَهُم لَيسُوا أطبَّاء ولَا بشر ولَا حَتَّى مِن الدُّنْيَا أصْلا أَنهُم مَلائِكة مِن السَّمَاء أرْسلَهم اَللَّه خِصِّيصًا حَتَّى يُبشَّروهم بِهَذه اَلبُشرى العظيمة قَبْل حُدوثِهَا بِزَمن .
- بُشرَى بِطفْل اِسْمِه إِسحَاق سيكْبر وَيصبِح اِبْن صَالِح وَنبِي كريم وسيكون مِن ذُرِّيَّته أَغلَب الأنْبياء والْمرْسلين فَيكُون التَّعْويض الأمْثل لِصَبر سَارَّة وَتضحِية إِبْراهيم .
- عِنْدمَا جَاءَت الملائكة لِسيِّدِنَا إِبْراهيم كَانَت على شَكْل بشر حَتَّى لََا يَخَاف مِنْهم فاسْتقْبلْهم أَحسَن اِسْتقْبال واسْتضافهم فِي بَيتِه وأكْرم ضِيافتهم فَذبَح لَهُم عجل سمين مِن أَحسَن الماشية الموْجودة عِنْده وَقَام بَشَويَّه وَصُنع مِنْه اَلكثِير مِن الطَّعَام وَقدَمِه لَهُم .
- ﴿ وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾[ سورة هود: 69]
- ﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ 26﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾27[ سورة الذاريات]
- وَلكِن سيِّدنَا إِبْراهيم رَغْم شِدَّة لُطْفه مَعهُم وجدُّهم لََا يُريدون أن يَأكُلوا ورفضوا أن يقْتربوا مِن الطَّعَام فَبدَأ سَيدُنا إِبْراهيم يشعر بالقلق مِنْهم وَخَاف مِن تَصرفِهم وَكتَم خوْفه عَنهُم .
- ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ﴾ سورة هود
- عِنْدمَا شعر الملائكة بِأنَّ سيِّدنَا إِبْراهيم بدأ يَخَاف كَشفُوا لَه عن شخْصيَّاتهم فقالوا لَه إِنَّهم مَلائِكة مُرْسلون مِن رَبِّه لِقَوم لُوط ﴿ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ﴾[ سورة هود: 70].
- وطمْئنوه أنَّ اَللَّه - سُبْحانه وَتَعالَى - أرْسلَهم لِيبشَّروه بِطفْل جديد اِسْمه إِسحَاق وَمِن بُعْدِه سَيكُون لَه مِنْه حفيد اِسْمِه يَعقُوب ( فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ…آية 28 سُورَة الذَّاريات ) .
﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ سورة هود
ضَحكَت
- قِيل إِنَّها عِنْدمَا سمعَت أَنهُم مَلائِكة مِن ربِّ العالميْنِ ضَحكَت سُرورًا وَشعُورا بِالاطْمئْنان والْأمان .
- وقيل أنَّها عِنْدمَا رأتْ سيِّدنَا إِبْراهيم قد اِطمأَن وَذهَب عَنْه الخوْف ضَحكَت فرحًا لِزوال خَوفِه - عليْه السَّلَام .
- وقيل أنَّها عِنْدمَا سمعَت عن عَذَاب قَوْم لُوط ضَحكَت مِن باب الاسْتبْشار لِكثْرة فَسَاد قَوْم لُوط وَعظَم كُفْرِهم وعنادهم.
- وقيل أنَّها كَانَت ضِحْكَة تعْجِب مِن مصير قَوْم لُوط اَلذِي كَانُوا فِي هذَا الوقْتِ فِي مُنتَهَى الغفْلة عن العذَاب اَلذِي ينْتظرهم ومتوَجِّه إِليْهم .
- وقيل أنَّها تَوقعَت مُسْبقًا أنَّ اَللَّه سَيرسِل العذَاب لِقَوم لُوط وَأَخبرَت بِذَلك سَيدُنا إِبْراهيم فَلمَّا جَاءَت الملائكة بِمثْل مَا توقَّعَتْه هِي ضَحكَت فرحًا لَأن كَلَامهَا وتوقُّعهَا وَافَق حُكْم اَللَّه .
دهشة سيدنا إبراهيم والسيدة سارة من بشرى الملائكة لهم
- دُهِش سَيدُنا إِبْراهيم - عليْه السَّلَام - مِن اَلبُشرى لَأن بِالْمنْطق والْأسْباب الطَّبيعيَّة من المستحيل لِرَجل فِي سِنِّه وحالَته أن يُرزَق بِطفْل جديد حَيْث يُقَال إِنَّه فِي ذَلِك الوقْتِ كان قد اِقترَب مِن 100 سنة أو تجاوزهَا .
- ولم يَكُن هذَا الانْدهاش مِن سيِّدنَا إِبْراهيم وَحدَه وَلكِن زوْجته سَارَّة أيْضًا كَانَت تَستَمِع لِهَذا الحوَار كُلِّه فَتَعجبَت وضربتْ خَدهَا أو بِالْأَصحِّ لَطمَت لََا إِرادِيًّا مِن الصَّدْمة ( صَكَّت وجْههَا ) ، فكيْف تَحمِل بِطفْل وَهِي كَانَت فِي عِزِّ شَبابِها عَقِيمَة لََا تُنْجِب والْآن زاد على اَلعُقم أَنهَا أَصبَحت عَجُوز لََا تَتَحمَّل آلام الحمْل والْولادة .
- أَمَّا ردُّ الملائكة فَكَان بِأنَّ ذَلِك كُلُّه أَمْر رَبانِي فَهُو القادر الوهَّاب وَهُو اَلعلِيم بِمَا يسْتحقُّونه مِن كرامَات ومعْجزات فَهُو اَلحكِيم فِي أفْعاله وأقْواله اَلحمِيد اَلذِي يَستَحِق الحمْد على جميع نِعَمه ورحْمَته والْمجيد اَلذِي يَستَحِق التَّمْجيد والثَّناء والتَّكْريم .
- ﴿قَالَتۡ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزࣱ وَهَـٰذَا بَعۡلِی شَیۡخًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عَجِیبࣱ ٧٢ قَالُوۤا۟ أَتَعۡجَبِینَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِۖ رَحۡمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَـٰتُهُۥ عَلَیۡكُمۡ أَهۡلَ ٱلۡبَیۡتِۚ إِنَّهُۥ حَمِیدࣱ مَّجِیدࣱ ٧٣﴾ [هود ٧٢-٧٣]
- وقد كان ولم يَمُر وَقْت كبير وكانتْ البشَريُّ قد تَحققَت وَولِد سَيدُنا إِسحَاق.
ذكر سيدنا إسحاق عليه السلام فى القرآن والأحاديث
فِي اَلقُرآن لَم يذكَر اَللَّه - سُبْحانه وَتَعالَى - أيْ تَفاصِيل عن سيِّدنَا إِسحَاق غَيْر مَوقِف وِلادَته أَمَّا إِجْماليُّ الآيَات اَلتِي ذكر فِيهَا هِي 16 آية وأَغلَب تِلْك الآيَات تُؤكِّد على فَضْل ومكانة سَيدنا إِسحَاق وتصفه بِالصَّلاح وينْسبون إِلَيه البرَكة وتوضِّح لَنَا أَنَّه كان نبيًّا وأنْزل عليْه الوحْي مِثْل بَاقِي الأنْبياء .
- ( قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا. . سُورَة البقَرة إِيه 133 )
- ( وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ ...آية 136 سُورَة البقَرة )
- ( أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ...آيّه 140 سُورَة البقَرة)
- (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ... آية 84 سُورَة آل عِمْرَان )
- (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ ... آية 163 سُورَة النِّسَاء )
- ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ... آية 84 سُورَة الأنْعام )
- ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾[ سورة هود: 71]
- كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ .. آية 6 سُورَة يُوسُف )
- ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ ﴾[ يوسف: 38]
- ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ۚ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾[ إبراهيم: 39]
- ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا)[ سورة مريم: 49]
- ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾[ سورة الأنبياء: 72]
- ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾[ سورة العنكبوت: 27]
- ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾[ الصافات: 112]
- ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾[ سورة الصافات: 113]
- ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾[ سورة ص: 45]
- أُمًّا ذكر سَيدُنا إِسحَاق - عليْه السَّلَام - فِي الأحاديث فَفِي حديث عن سيِّدنَا مُحمَّد - صَلَّى اَللَّه عليْه وَسلَّم - كان يَمدَح فِيه أَربَعة أَنبِياء مِنْهم سَيدُنا إِسحَاق حَيْث قال ( إِنَّ اَلكرِيم اِبْن اَلكرِيم اِبْن اَلكرِيم اِبْن اَلكرِيم يُوسُف بْن يَعقُوب بْن إِسحَاق بْن إِبْراهيم - عليْه السَّلَام - ) .
- والتَّكْريم فِي اَلحدِيث لَم يَكُن لِسيِّدِنَا إِسحَاق فقط إِنَّما كان يُشارِكه فِي اَلمدِيح اِبْنه يَعقُوب حَيْث رُزِق سَيدنا إِسحَاق بِطفْليٍّن تَوأَم سُمِّي الأوَّل عِيص (أو العيص أو يُقَال عِيصو) والثَّاني سُمِّي يَعقُوب يُقَال لِأَنه جاء فِي عَقِب أخيه وَسيدِنا يَعقُوب - عليْه السَّلَام ، هُو مِن بَشرَت بِه الملائكة جده سَيدُنا إِبْراهيم وبالْفعْل عاش سَيدُنا إِبْراهيم حَتَّى كِبر اِبْنِه إِسحَاق وَتَزوَّج وأنْجب سَيدُنا يَعقُوب .
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.